الخميس، 21 يونيو 2012

أهم عشر تقنيات يستخدمها الإعلام للتضليل


 بقلم: نايوم تشومسكي
ترجمة: م. إسلام إمام


إن ميل الصحفيين لعمل موازنة بين رأيين متضادين تؤدي للاتجاه إلى "بناء الأخبار حول المواجهة بين الأنصار والخصوم". مواضيع مثل القمامة ومياه المجاري، أياً كانت درجة أهميتها، لا يتم تغطيتها إلا عندما تتعلق بتخصيص أماكن لدفن النفايات أو إنشاء محرقة لها، وحينها تكون التغطية لـ"غضب وحنق المواطنين الذين قد يتأثروا بهذه الأمور" أو الادعاءات المتضاربة للمتحدثين الرسميين، للحكومة أو للمؤسسات الخاصة، ودعاة حماة البيئة. بدلاً من تغطية الخلفيات التقنية لهذه العمليات.
وظيفة الإعلام لم تعد "إعلام" المواطنين، ولكنها تحولت إلى "عدم الإعلام": أن تحول الاهتمام الشعبي بعيداً عن المواضيع والتغييرات الهامة التي يقررها السياسيون والنخبة الاقتصادية، وذلك عن طريق الإغراق أو الإغراق المستمر في تحويل الانتباه وتغطية المواضيع غير ذات الأهمية.
يحاول الصحفيون القريبون من أشخاص نافذين في الحكومة والمؤسسات الاقتصادية المسيطرة، الحفاظ على هذه العلاقات بعدم تغطية ما يمس هذه المنظمات، وإلا فإنهم يخاطرون بخسارتهم كمصادر للمعلومات [أو النفوذ]. وفي مقابل هذا الولاء، يمد النافذون الصحفيين بمواضيع جيدة للنشر أو "تسريبات إعلامية" من حين لآخر، وكذلك اللقاءات الحصرية. هذه المعلومات الغير رسمية، أو التسريبات، تعطي الانطباع بأن الصحفي الذي وراءها هو محقق يسعى خلف المعلومات، ولكنها في حقيقتها ليست سوى مناورات من جانب من بيده السلطة.
"من السخرية المريرة أن الصحفيين الأكثر شأناً هم أولاء الأكثر مذلة. فبجعل أنفسهم مفيدين لمن بيده السلطة يحصلون على (أفضل) المواضيع والأخبار" (اقتباس من كتاب Lee and Solomon، 1990(

 

الاستراتيجيات العشرة

1. الإلهاء

استراتيجية الإلهاء هي العنصر الرئيس في السيطرة على المجتمعات. وهي تعتمد على إلهاء أو تحويل اهتمام العامة بعيداً عن المواضيع والتغييرات الأكثر أهمية، التي يقررها الساسة وأصحاب النفوذ الاقتصادي، وذلك بواسطة تقنيات الإغراق والإغراق المستمر في مواضيع تافهة ومعلومات غير ذات قيمة.
الإلهاء أيضاً يستخدم بشكل رئيس في منع حصول اهتمام شعبي بالمعارف الأساسية في مجالات العلوم والاقتصاد وعلم النفس و بيولوجيا الأعصاب والعلوم السبرانية[1].
"إبقاء الاهتمام الشعبي بعيداً عن المشكلات الاجتماعية الحقيقية، مشغولاً بأمور لا تحمل أهمية حقيقية. أبق الشعب مشغولاً، مشغولاً، مشغولاً، ليس لديه وقت ليفكر، ليعود للمزرعة وحيواناتها [كناية عن الانشغال بلقمة العيش وكيفية توفيرها]" – اقتباس من "أسلحة صامتة لحروب هادئة"[2]

2. اختلاق المشاكل ثم تقديم الحلول

هذه الطريقة تسمى أيضاً "مشكلة – رد فعل – حل".
تقوم هذه الاستراتيجية على خلق مشكلة: "وضع" يتم اللجوء إليه ليسبب ردود أفعال عند الجمهور، وبالتالي تكوين أرضية للخطوات التي يراد للجمهور قبولها.
فمثلاً: إظهار وتضخيم العنف في المناطق الحضرية، أو حتى ترتيب هجمات دموية في سبيل أن يقبل الجمهور طلباً بسن مجموعة من القوانين والتشريعات على حساب الحرية.
أو تصنع أزمات اقتصادية للقبول بتراجع الحقوق الاجتماعية أو بتفكيك الخدمات العامة تحت مبدأ أنه "شرٌّ لا بد منه".

3. التدرج

قبول ما لم يكن من الممكن قبوله عن طريق تطبيقه بالتدريج، قطرة قطرة، لأعوام متلاحقة.
وهذه هي الكيفية التي فـُرضت بها الظروف الاقتصادية المجتمعية خلال الثتمانينيات والتسعينيات، مثل الخصخصة وخفض الأجور ونزع التزام الدولة بايجاد فرص عمل مناسبة، إلخ..
... وهي تغييرات كثيرة كانت لتولد ثورة لو طبقت مرة واحدة.

4. التسويف

أحد الطرق لتسهيل قبول القرارات التي لا تحظى بالترحاب هو تقديمه على أنه "مؤلم ولكنه ضروري"، للحصول على القبول الشعبي في وقته شريطة أنه سينفذ في المستقبل.
من الأسهل دائماً قبول تضحيات في المستقبل لوقف مذبحة تجري الآن، وذلك لأنه
·         أولاً لن تقدم التضحيات الآن،
·         ثانياً أن الجماهير دائماً ما تميل ـ بسذاجة ـ لتوقع أن "كل شيء سيكون بخير"، وأنه ربما أمكن تجنب تلك التضحية المستقبلية.
وهذا ما يمنح الجماهير وقتاً أطول للتعود على الفكرة، وقبولها على مضض حينما يحين وقت التنفيذ.

5. خطاب الأطفال

معظم الإعلانات الموجهة للجمهور تستخدم خطاباً، وحججاً، وأساليب حديث، وأحياناً وجوهاً من تلك النوعية التي تلقى قبولاً لدى الأطفال، وبنفس الأساليب الطفولية الأقرب إلى الضعف، وكأن المشاهد طفل صغير، أو به قصور عقلي.
وكلما أريدَ الإمعانُ في خداع المشاهد، كلما زاد الميل نحو تبني نبرة أو منطق أكثر طفولية.
لماذا؟
"لو توجهت بالحديث إلى شخص وكأنه في الثانية عشر من عمره أو أقل، فإنه سيميل بنسبة احتمالية معينة ـ بسبب الإيحاء ـ إلى الاستجابة وتبني ردود أفعال ومنطق شخص في الثانية عشر من عمره أو أقل" – اقتباس من "أسلحة صامتة لحروب هادئة"

6. اللعب على الجوانب العاطفية أكثر من المنطقية

استخدام النواحي العاطفية هو تقنية كلاسيكية لتعطيل التفكير التحليلي العاقل، وبالتالي تعطيل التفكير النقدي للشخص.
أكثر من ذلك، فإن اللعب على مناطق العواطف في الدماغ يفتح الباب لللاوعي أو العقل الباطن، ومن ثم يمكن بسهولة زرع الأفكار والرغبات والمخاوف، والتأثير على السلوك.

7. التجهيل

وهو إبقاء الجماهير غير قادرة على فهم وتمييز تقنيات وطرق السيطرة والاستعباد.
"يجب أن تكون جودة التعليم المقدم لطبقات المجتمع الوسطى والأقل منها سيئة وأقل من المتوسطة قدر الإمكان حتى تتسع فجوة الجهل بين الطبقات الاجتماعية الدنيا والطبقات النافذة، ويصبح سد هذه الفجوة غير ممكن" – اقتباس من "أسلحة صامتة لحروب هادئة"

8. زرع الرضا عن الرداءة

وذلك بالدفع الإعلامي نحو فكرة أن الحقائق من الطبيعي أن تبدو غبية ومبتذلة وغير علمية![3]

9. تعزيز لوم الذات

الدفع نحو فكرة أن ما فيه الفرد من شقاء هو بسبب نقص في الذكاء أو القدرات الشخصية أو المجهود. وبالتالي بدلاً من الثورة على النظام الاقتصادي، يحط الفرد من قدر نفسه، ويشعر أنه هو المذنب، وهذا ما يقود إلى الاكتئاب، وبالتالي يثبط عزيمة الفعل.
وبدون عزيمة للفعل، لا تقوم ثورات!

10. معرفة الجمهور أفضل مما يعرفون أنفسهم

على مر الخمسين عاماً الماضية شكل التقدم المتسارع في العلوم فجوة كبيرة بين ما يعرفه العامة، وما لدى النخب السلطوية. فبفضل علوم الأحياء، وبيولوجيا الأعصاب، وعلم النفس التطبيقي أصبح "النظام" يتمتع بفهم معقد للجنس البشري، جسدياً ونفسياً. وأصبح يعرف عنك أكثر مما تعرفه عن نفسك.
هذا يعني أن "النظام" أصبح يمارس ـ في معظم الحالات ـ درجات أعلى من السيطرة والتحكم في الأفراد، ربما أكثر مما يمارسوه هم في أنفسهم.


[1] Cybernetics علوم الاتصال والتحكم الآلي بالآلات والكائنات الحية.
[2]  "أسلحة صامتة لحروب هادئة" هو مستند يحمل تاريخ مايو 1979، وجد بالمصادفة في آلة ناسخة IBM تم شراؤها في مزاد للمعدات الفائضة عن الحاجة، في 7 يوليو 1986.
[3] وبالتالي يسهل تصديق ما ينافي العقل أو العلوم الموثقة، أو حتى ما يبدو كأنه جهل صريح. فقد تم زرع فكرة أن الحقائق يمكن بسهولة أن تكون كذلك. (المترجم).