الخميس، 29 أغسطس 2013

صدام حسين و المسيح الدجال و أشياء أخرى ....

الفكرة تظل فكرة

و العقيدة تظل عقيدة

و الأمل يظل أملاً ...

في التسعينيات، فترة المراهقة و الشباب، كانت هناك عدة أفكار تتصارع بداخلي، تمحور الكثير منها حول فكر المؤامرة الكونية. قرأت كتباً مثل (الخيوط الخفية بين المسيح الدجال و مثلث برمودا و الأطباق الطائرة) .. شاهدت مسلسلات مثل إكس فايلز X-Files، بموسيقاه المميزة.. قرأت كتباً عن العلاقة الخفية بين إيران و الماسونية و أمريكا، و كيف أن هذا التحالف الشيعي الماسوني الصهيوأمريكي يريد السيطرة على العالم، و أنهم هم من خططوا لاحتلال العراق تمهيداً لاحتلال الخليج، ثم باقي العالم..

قرأت كثيراً من الأدبيات عن الحكومة الواحدة التي تحكم العالم، تحرك كل شيء من بعيد، تمهيداً لظهورها، و إعلان العالم كله دولة واحدة تسير في خط موحد.. أدبيات تبدأ من "آلة الزمن The Time Machine"، و "1984"، و لا تنتهي عند الكثير من الأعمال التي حولت فيما بعد إلى أفلام سينمائية كبيرة ..

سمعت كثيراً عن الحكومات الكافرة الموالية لصهيون، و آمنت بفكرة إقامة دولة إسلامية كبيرة، تحت قيادة رشيدة، تقود إلى نهضة كتلك التي قرأت عنها في كتب التاريخ، "حينما كانت الأمة الإسلامية رائدة كل شيء، بينما أوروبا تقبع تحت ظلمات الظلمات" .. تعاطفت فعلاً مع فكر الجماعات الإسلامية في مصر، و كنت أبرر بيني و بين نفسي ما يفعلوه بأنه شر لا بد منه للتخلص من الخونة..

فرحت كثيراً لمحاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا، و حزنت كثيراً لنجاته من المحاولة.. و أعجبت كثيراً بذلك المقطع ثلاثي الأبعاد الذي يشرح محاولة الاغتيال على mbc، و كانت وقتها في بداياتها ..

كنت أستيقظ كل يوم على صوت الـBBC و برنامج مخصص لأسئلة المستمعين، بل إني كنت في مرحلة ما بين النوم و الاستيقاظ أستمع لإجاباتهم عن أحداث الحرب العالمية الأولى، أو الثانية، أو أشهر الاغتيالات، أو غيرها، كنت أعيش تلك الأحداث كما يصفها المذيع في حلم واقعي شديد الوضوح..

عشت أوقات ظهور قناة الجزيرة .. إنها قناة كاذبة .. إنها قناة صادقة .. إنها قناة محايدة .. إنها قناة غير محايدة .. عشت أوقاتاً كانت فيها الـBBC و راديو مونت كارلو "محطاتٍ صادقة، تنقل لنا ما يحدث في الداخل، بأفضل مما لو كنا نعايش الحدث ذاته" .. و أوقات كانت فيها "محطات مسيسة تحاول النيل منا و تشويش الفكر الجمعي للشعوب" .. سمعت الصحاف و هو يصف جنود الأمريكان بالعلوج .. و كيف أنهم يهربون أمام أشاوس الجيش العراقي كالنعاج .. تساءلت كثيراً، و تساءل غيري عن معنى "علوج" .. و اختلفت الآراء كثيراً .. شاهدت الصحاف و هو يصف "الجزيرة" و الـCNN و BBC بأنها تنشر الأكاذيب لاحباط همة الشعوب .. ثم شاهدت بغداد و هي تسقط، و الصحاف و هو يهرب، بعد خطاب من خطابات "العلوج" بسويعات قليلة .. بعد "إنهم ينتحرون على أسوار بغداد" .. رغم أن بغداد لم يكن لها أسوار!

رأيت قرى الأكراد و شعوبها ملقاة على الأرض بعد أن ضربهم صدام بـ"الكيماوي"، ثم محاولة صدام إثارة الشعوب على حكوماتها "الخائنة العميلة" .. خطاب مبارك الشهير "بمب شم النسيم" و "ما أنا قولتله ... دي أمرييييييكا .. أمريكا!" .. تهديداته بضرب إسرائيل، و السعودية .. ثم سقوطه..

كل هذا و الكثير غيره، كان يمكن ببساطة شديدة نسبه لنظرية المؤامرة العالمية .. هؤلاء يكرهون الإسلام .. لمجرد أنهم يكرهون الإسلام .. هؤلاء يكرهون العرب .. لمجرد أنهم يكرهون العرب .. هؤلاء كلهم تحالفوا علينا، و تحالفت معهم حكوماتنا "الخائنة العميلة" (بصوت صدام حسين).. كل هؤلاء يعملون لصالح "أنكل سام"، رمز حكومة الظل في أمريكا، و التي تحرك كل شيء في العالم.. و "أنكل سام" نفسه، ما هو إلا "السامري" في قصة موسى عليه السلام، حين قال له موسى: "قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس" .. هو هو المسيح الدجال .. ملك آخر الزمان.. الذي يحضر العالم لاستقباله..

هو هو الحكومة الخفية الموحدة التي ستدير العالم، من وراء ستار، ثم في العلن ..

هو هو حائك المؤامرات ..

هو هو ملك اليهود .. و زعيم الماسونية العالمية ..

و هؤلاء الذين يقاتلونه، سيقال عنهم أنهم إرهابيون، رجعيون، أو أية أوصاف أخرى.. المهم أنهم هم "الأشرار"..

هم هم الذين يعيشون خارج العالم الذي نعهده .. في الكهوف .. في أنفاق المترو المهجورة ..

هم هم الأناركية .. و سكان الـUnderground ..

هم هم المناضلون ضد الاستبداد في كل مكان .. فالاستبداد واحد، و مصدره واحد .. و هدفه واحد .. القضاء على العملاق النائم .. و الخروج إلى العلن بحكومة عالمية واحدة ..

هم هم الجماعات الإسلامية في مصر ..

هم هم الجماعات المسلحة في الجزائر ..

هم هم حماس ..

هم هم حزب الله ..

هم هم القاعدة ..

هم هم كل هذه المجموعات التي تناضل ضد الشر .. ضد الشيطان الأكبر .. في انتظار خروج المهدي، الذي سيجمع لواءاتهم المختلفة تحت راية واحدة ..

لم يكن حزب الله وقتها "الأشرار الشيعة"، بل المناضلون ضد الصهيونية ..

عندما تهاوى برجا التجارة العالمية، هللت ..

إنه رمز للشيطان الأكبر ..

إن الخير ينتصر على الشر ..

تماماً مثلما حدث عندما تهاوى الاتحاد السوفييتي .. هو أيضاً الشيطان الأكبر ..

***

من أجمل و ألطف ما في نظرية المؤامرة العالمية تلك، أن كل شيء يمكن تفسيره بسهولة مطلقة .. و سطحية شديدة .. فهناك أشرار .. و هناك طيبون ..

تماماً مثل القصص التي كانوا يحكونها لنا صغاراً .. الشرير ذو المظهر الـ......."شرير" .. لا أجد كلمة غيرها، و الطيب ذو المظهر الطيب ..

كل شيء يمكن تفسيره هكذا .. كل حرب فيها ممثل عن جبهة الخير، و ممثل عن جبهة الشر ..

كل مصيبة تحدث، هي من تدبير الأشرار .. لماذا؟ لأنهم أشرار ..

الأشرار أكثر حذقاً .. أكثر دهاءاً .. أكثر تنظيماً .. أبعد تخطيطاً .. و لكن الأخيار سينتصرون في النهاية .. لماذا؟ لأنهم الأخيار .. أليس هذا سبباً كافياً؟

حتى التحولات التي يمكن أن تجد أنها صعبة التفسير، هي في الأصل أبسط مما يجب ..

فصدام مثلاً حينما ضرب الأكراد بالكيماوي، و حينما احتل الكويت .. بل حينما اغتصب السلطة في العراق "على ظهر دبابة أمريكية" .. كان شريراً ..

و لكنه تاب بعد ذلك، و تحول إلى الأخيار حينما أطلق صاروخين باتجاه تل أبيب ..

إنها التوبة .. الأشرار يمكن ان يتحولوا إلى أخيار في صحوة ضمير ..

***

كان هذا من وقت مضى .. و أعترف أني كنت ساذجاً جداً، و لكنها طبيعة المرحلة العمرية ..

و لكن ما يحزنني حقاً أن هناك الكثيرون، بل و الكثيرون جداً الذين يفكرون بهذه الطريقة .. بهذه السطحية ..

و أتذكر اقتباساً من كتاب (أسلحة صامتة لحروب هادئة)

"لو توجهت بالحديث إلى شخص وكأنه في الثانية عشر من عمره أو أقل، فإنه سيميل بنسبة احتمالية معينة ـ بسبب الإيحاء ـ إلى الاستجابة وتبني ردود أفعال ومنطق شخص في الثانية عشر من عمره أو أقل"....


... و لكن أليس هذا دليلاً على نظرية المؤامرة العالمية الكونية؟!


#نظريةمؤامرة