الثلاثاء، 29 أبريل 2014

استرسال .. (2)

الحديث عن نظريات المؤامرة الكونية هو حديث ذو شجون، و مجال واسع للجدل العقيمة، والنقاشات التي لن تصل إلى أي شيء، ببساطة ﻷنه لا شيء يمكن إثباته بشكل قطعي. كل ما هنالك مجموعة من الأحداث الفردية، أو مجموعة من المعتقدات الخاصة، يتم إسقطها على النظرية التي تريد.

في أحداث السفارة اﻷمريكية التي وقعت في إيران 1979، وقعت مجموعة من اﻷوراق الهامة جداً، وتفريغ محاضر اجتماعات على أعلى مستوى في الحكومة اﻷمريكية، في أيدي مجموعة الطلبة الذين اقتحموا السفارة. بعد ذلك بثلاثين عاماً، يكتب أحدهم عن محتوى هذه اﻷوراق، والتي نكتشف فيها مدى تخبط القائمين في دوائر الحكم اﻷمريكية، وعدم قدرتهم على تحديد موقفهم من الثورة في إيران.

إذا كنت لا تعرف القصة، فدعني أرويها لك من ذاكرتي المنهكة، باختصار.

الخميس، 17 أبريل 2014

استرسال .. (1)

يستخدم بعض الروائيين والصحفيين أحياناً تقنية تسمح له بتجنب التحقيق في صحة ما يقول عن طريق تضمين المحتوى ما يمنع أصلاً التحقق منه، كأن يقول إنها معلومات غاية في السرية، وقد سمعها من مصدر مطلع، لا يمكنه البوح باسمه. فهنا يقطع على القارئ بداية القدرة على تتبع المعلومة، ويبقى القارئ بعدها بين أن يصدق أو يكذب، دون إسناد حقيقي.

هذه التقنية نفسها دائماً ما ترافق نظريات المؤامرة بجميع أشكالها، فهذا عالم سري لا يمكن سبر أغواره.. منظمات سرية، وأناس يعملون في الظلام.. فهل يمكنك حقاً أن تمسك بطرف الخيط؟ في الواقع كلا، وهذا هو مكمن قوة نظريات المؤامرة. حينما لا يمكنك الاستوثاق من المعلومة، فأنت تفتح باباً كبيراً أمام المتكلم/الكاتب ليقول كل ما يريد، دون حول لك ولا قوة.

هذا أيضاً يفتح باباً أكبر لإسقاط كل شيء وتحليله بما يتراءى للكاتب، فهذا الحادث الصغير هو جزء من المؤامرة الكبيرة، ولكنكم لا تعلمون.

هذه التقنية استخدمها الكثير من الكتاب على مر العصور، وأذكر جيداً كيف أن نبيل فاروق قد استغل اختفاء غواصة نووية روسية في المحيط (حدث حقيقي) لينسج قصة من قصص أدهم صبري حول الحدث، وكيف أن الخبر كله كان تلفيقاً لإخفاء حقيقة أن أدهم هو من اختطف الغواصة لإنقاذ منى (أو شيء من هذا القبيل، لا أذكر التفاصيل كلها).

الثلاثاء، 18 مارس 2014

المثقفون والسلطة!

العنوان مقتبس من كتاب "المثقفون والسلطة في مصر" لكاتبه غالي شكري. ولكن المقال لا يتعرض للكتاب.

التاريخ يكتبه المنتصر. هذه حقيقة لا بد من الاعتراف بها، وفهمها جيداً. والمنتصر لا يكتب التاريخ بأن يسطره في كتب، وإنما يفرض سطوته على المثقفين والمؤخرين والكتاب، الذين ينقسمون في سلوكهم إلى ثلاثة أقسام رئيسة: من ينضوي تحت لواء المنتصر، ويكتب ما توافق عليه السلطة، فيضمن بذلك انتشار كتاباته، ووصولها إلى الجميع تحت الوصاية والشرعية التي يكتسبها النظام القائم. وهذا القسم لا يوافق بالضرورة على ما يحدث، وليس يمجد بالضرورة شخص المنتصر وأفكاره واتجاهاته، ولكن في أحيان كثيرة هو يحاول الإمساك بالعصا من منتصفها، فيتجنب الحديث عما يزعج السلطان، ويمعن في الحديث عما ليس "به حرج".. وهذا أخطر في نظري من التمجيد للسلطان. فهذه الكتابات ـ حينما ترى طريقها إلى أجيال جديدة ـ تكون منقوصة، مع ما لها من مصداقية في مقابل الكتابات التي كانت تمدح وتمجد.

القسم الثاني هم من يناضلون ضد التيار السائد، ويتحدون سلطة المنتصر. هؤلاء يسجنون، ويعذبون، ويتهمون بأبشع التهم. والتاريخ مليء بأمثال هؤلاء، ممن اتهم بالزندقة، أو العمالة، أو السحر أو الشعوذة .. إلى آخر تلك التهم التي تتغير بتغير الزمان، لكنها في النهاية تخدم هدفاً واحداً: عزل المفكرين عن مجتمعهم بإثارة الحقد والكراهية بين الكاتب وعامة الناس، فلا يعودوا يتلقون منه ما يكتب (أو مايقول)، ثم "حرقه" تماماً، سواء حرفياً او معنوياً.

القسم الثالث هم من يختار العزلة بنفسه. فينأى بعيداً، يتخذ "قصراً عاجياً" يعيش فيه، وربما يتلاقى مع أقرانه في صالونات ثقافية أو منتديات مغلقة، يتدارسون ويتناقشون، يسجلون امتعاضهم من الأنظمة القائمة، في لقاءات مغلقة، لن يخرج منها للنور شيء. يحللون الأوضاع، ويضعون الحلول التصورية، هائمين في عالمهم الخاص.

وإذن، يمكن أن أقول أن المفكر في ظل نظام منتصر أمامه أحد أمرين لا ثالث لهما: أن يندمج في النظام، سواء بالتلون أو المواراه، أو أن ينسحب وينعزل، اختيارياً أو جبرياً.

وعلى مر التاريخ استخدمت الأنظمة الطاردة للمفكرين مجموعة من الأدوات والتكنيكات لدفع المفكرين للعزلة. أكثرها وضوحاً ومباشرة هو الاعتقال والسجن وتلفيق التهم والقتل... ولكن تبقى هناك مجموعة أخرى من التقنيات الأقل وضوحاً ومباشرة.

من هذه التقنيات تعزيز الجهل المجتمعي وتسليط الضوء عليه، حتى يشعر المفكر باليأس، ويفقد القدرة على المتابعة، فاقداً الثقة في مجتمعه وإمكانية الإصلاح بالكلية. فنشر الخزعبلات، والآراء التي تفتقد إلى أبسط مباديء المنطق، يدفع المفكرين دفعاً إلى الانسحاب من المشهد، حيث يرون أن هؤلاء لا يستحقون أصلاً عناء الجدال والمناقشة ومحاولة تفنيد تلك الآراء بشكل علمي منطقي، فضلاً عن اليأس الذي يصيب من يحاول مجرد الاقتراب من الخزعبلات، والتي في غالبها تدور في فلك "التابو" أو أحلام البسطاء وطموحاتهم.

تخيل نفسك وأنت تحاجج "جو نيومان" الذي اخترع آلة تنتج كهرباء لانهائية، أمام مجموعة من العامة الذين يتوقون إلى طاقة أرخص! هل تعتقد أن منهم من سيفتح آذانه ليسمعك وأنت تتلو قوانين الفيزياء الأساسية، ناهيك عن أن يفتح لك عقله؟

وضعك سيكون في أفضل أحواله حينها إذا تركك الناس وغادروا، صامين آذانهم عما تقول. ولكن الأرجح أنك ستتهم بالعمالة لشركات الطاقة الكبرى التي تمتص دم المطحونين، والتي ترفض السماح لمثل هذه الآلات أن تخرج إلى النور، فتقلل أرباحها. ستتهم أيضاً بالعمالة للحكومات التي تعمل لصالح الشركات والمؤسسات، ضد مصلحة شعوبها. ستتهم بالعمالة لكل ما هو ضد مصلحة العامة، وتدمج في كل نظريات المؤامرة الموجودة، حتى ولو تناقضت فيما بينها. فهل أنت على استعداد لذلك؟! النتيجة في الحالتين هي أن المجتمع سيلفظك.. فلم لا تنسحب في هدوء، مفضلاً الوصول إلى نفس النتيجة دون "بهدلة"؟

المشكلة الأكبر أن ذاكرة العامة متطايرة، قصيرة الأجل، كذاكرة السمكة.. لكن بعض الأشياء تعلق بها، ولا تغادرها.. سينسون الآلة الكهربية، أو يقنعون أنفسهم بأن المتآمرون قد نجحوا في وأدها.. ولكنهم لن ينسوا عمالتك.. قد يتذكرون أو لا يتذكرون الجهة التي كنت تتآمر معها، لكنهم سيظلون واثقين من حقيقة واحدة، هي أن عميل ومتآمر على مصالحهم.

الأنظمة اللافظة للمفكرين تعي هذا جيداً، وتستغله إلى أكثر مدى ممكن.. تذكر معي كيف اشتغلت إذاعاتٌ بأخبار انتصارات غير منطقية ولا توافق أبسط قواعد توازنات القوى المعلنة وغير المعلنة في حرب 1967.. العوام تصفق، تنبهر، تمتليء بالأمل .. أو بالأحرى تتعلق بالأمل.. حتى مع عدم منطقيته، ومع عدم صموده إذا عرض على أبسط قواعد المنطق.. 

من يقولون بأن هذا تلفيق هم أعداء الأمة، هم الطابور الخامس الذي يعمل على هدم المعنويات. إنهم حاقدون، مغيبون أو موجهون..

بعد الهزيمة بسنوات، يتذكر الناس أن هؤلاء كانوا عملاء .. لماذا؟ هم لا يذكرون تحديداً، ولكن العميل سيظل عميلاً. يكفيأنه قد نال اللقب مرة، دون أن أذكر لماذا، حتى يعلق اللقب به للأبد.

يتعلقون بآمال جديدة، و يتناسون أن من يمنحهم هذه الآمال الجديدة هم أنفسهم مانحوا آمال الأمس.

أنى للمفكر أن يصمد في وجه هذا الصلف والممناعة، مدعومة بالإغراق في الجهل والتجهيل؟

السبت، 25 يناير 2014

نظرية مؤامؤة: Eurabia يورابيا


Eurabia يورابيا، أو ببعض التصرف "عوروبا"، هو مصطلح اشتقته الكاتبة جيزيل ليتمان في بدايات القرن للتعبير عن نظرية مؤامرة مفادها أن قوى عربية، مدعومة ببعض خونة الداخل اﻷوروبي، بهدف أسلمة و تعريب أوروبا، و القضاء على الهوية اﻷوروبية، و بالتالي إضعاف التحالف اﻷمريكي اﻹسرائيلي عن طريق إخراج أوروبا من هذا التحالف.

جيزيل ليتمان، الملقبة أيضاً بـ"بات ياور" (בת יאור تعني ابنة النيلن بالعبرية)، هي إنجليزية يهودية، ولدت في القاهرة 1933، وغادرت مصر مع عائلتها بعد حرب 1956. و يعد كتابها Eurabia: The Euro-Arab Axis (أورابيا: المحور اﻷوروبي العربي) المنشور في 2005 هو المرجع اﻷم لكل المنظرين لهذه النظرية. هذا الكتاب يقدم تعريفاً للمصطلح كما يلي:

أورابيا هي حقيقة جغرافية سياسية، تشكلت في 1973 من خلال نظام من التحالفات الغير رسيمة بين دول المجموعة اﻷوروبية التسعة (والتي تحولت لاحقاً في 1992 إلى الاتحاد اﻷوروبي) من جهة، و بين الدول العربية المتوسطية من جهة أخرى. تمت هذه الاتفاقيات و التحالفات على المستوى السياسي اﻷعلى لكل دولة من التسع اﻷوروبية، مع ممثل المفوضية الأوروبية، مع نظرائهم من الدول العربية، و مندوب الجامعة العربية. و قد تم تنسيق هذه التحالفات تحت سقف جمعية سميت "الحوار العربي اﻷوروبي"، أنشئت في باريس، في يوليو 1974.”