الثلاثاء، 29 أبريل 2014

استرسال .. (2)

الحديث عن نظريات المؤامرة الكونية هو حديث ذو شجون، و مجال واسع للجدل العقيمة، والنقاشات التي لن تصل إلى أي شيء، ببساطة ﻷنه لا شيء يمكن إثباته بشكل قطعي. كل ما هنالك مجموعة من الأحداث الفردية، أو مجموعة من المعتقدات الخاصة، يتم إسقطها على النظرية التي تريد.

في أحداث السفارة اﻷمريكية التي وقعت في إيران 1979، وقعت مجموعة من اﻷوراق الهامة جداً، وتفريغ محاضر اجتماعات على أعلى مستوى في الحكومة اﻷمريكية، في أيدي مجموعة الطلبة الذين اقتحموا السفارة. بعد ذلك بثلاثين عاماً، يكتب أحدهم عن محتوى هذه اﻷوراق، والتي نكتشف فيها مدى تخبط القائمين في دوائر الحكم اﻷمريكية، وعدم قدرتهم على تحديد موقفهم من الثورة في إيران.

إذا كنت لا تعرف القصة، فدعني أرويها لك من ذاكرتي المنهكة، باختصار.



في العام 1976، وبدعوات من الحزب الشيوعي في البلاد، ومجموعة من الحركات اليسارية، بدأت إيران تغلي، وبدأت حركة تظاهرات شعبية واسعة ضد الشاه.. تمده اﻹدارة اﻷمريكية بالسلاح، وبعض من الطائرات الهليوكوبتر، لقمع الاحتجاجات، فاﻹدارة اﻷمريكة لم تكن لتسمح بوصول المد الشيوعي اﻹشتراكي إلى منابع النفط في الخليج.. ولكن اﻷمر يتصاعد إلى الحد الذي يدفع الشاه إلى الهرب خارج البلاد..

 يهرب الشاه إلى الخارج، ويتسلم الثوار الحكم، ثم، وبدعم من أمريكا يعود مرة أخرى بعد سنة ونيف، بتهليل شعبي، وترحاب ليس له نظير، ويقوم بإعدام رئيس الحكومة الذي جاء بعد الثورة، ولفيف من "العملاء" و"الخونة" و"أعداء الوطن".. لتحتفل الولايات المتحدة بانتصار حليفها..

و لكن اﻷمور لم تستقر، وتمكنت الحركات اليسارية والشيوعية الراديكالية من إشعال فتيل الثورة الشعبية مرة أخرى..

نعرف فيما بعد أن اﻹدارة اﻷمريكية اجتمعت مع وزارة خارجيتها، وقنصلها في إيران، وممثلين عن المخابرات المركزية، للبحث في حل للأزمة..

اﻷزمة باختصار هي أن الشيوعية الحمراء تقترب من منابع النفط عن طريق التقدم غرباً نحو إيران، ويجب أن يتم التعامل معها.. (لاحظ أننا في أوج الحرب الباردة في تلك الحقبة)

الحلول المطروحة:
- الاستمرار بدعم الشاه لقمع الثورة.
- التخلي عن الشاه، والبحث عن بديل آخر، يتمكن من إيقاف المد الشيوعي.

وكان أن تبنت اﻹدراة اﻷمريكية الحل الثاني، وبدأت في البحث عن البديل. هنا ينتبه أحدهم إلى أنه في إيران لم يكن الشيوعيون وحدهم المضطهدون، ولكن بعض "اﻹسلاميين" أيضاً (مع تحفظي اﻷبدي على هذه اللفظة).. إن الخميني يعيش في باريس – فرنسا.

تتفق اﻹدارة اﻷمريكية مع الخميني، وتساهم في وضع يده بيد قيادات الجيش، ويهرب الشاه مرة أخرى، ولكن هذه المرة دون الدعم اﻷمريكي، لينتهي به المطاف في الدولة الوحيدة التي قبلت استقباله (مصر)، ليموت ويدفن على أراضيها.

لحظة هبوط الخميني سلم الطائرة قادماً من باريس - 1979
لحظة هبوط الخميني سلم الطائرة قادماً من باريس - 1979


جيد..

لاحظ معي أن اﻹدارة اﻷمريكية لم تتوقع الثورة اﻹيرانية، ولم تتمكن من استشفاف المنتصر، بدليل دعمها للشاه في الموجة اﻷولى للثورة (1976 – 1979)، وهذا في حد ذاته ينفي فكرة أن تكون هي من حرك الثورة الشعبية. هذا ينافي أحد أهم بنود نظرية المؤامرة وهو أن كل ما يحدث وسوف يحدث هو من تخطيط الجمعية الماسونية السرية، منذ العام 545م.

لاحظ أيضاً (وهذا كله كان من محاضر اجتماعات) أن "الخناقة" كلها كانت على السيطرة على منابع النفط في الخليج العربي، وهو ما ينفي أيضاً جزءاً مهماً من نظرية المؤامرة، ألا وهو "أنهم يتآمرون علينا لمجرد أننا نحن" .. بمعنى آخر، أن المؤامرة على "الوطن العربي" أو على "اﻷمة اﻹسلامية" أو على "مصر" أو حتى على "اﻹسلام ذاته"، إلى غير ذلك.. هم فقط يحمون مصالحهم الاقتصادية، ويبدو حقاً أن لديهم قدرة عالية نفتقدها على سرعة قراءة الموقف، ووضع القرارات قيد التنفيذ.. بمعنى آخر، هم يبرعون في "رد الفعل"..

فكرة المصالح الاقتصادية في حد ذاتها فكرة مخيفة.. فهي تنذر بأنهم سيتخلون عنا عندما لا نعود ذوي نفع اقتصادي لهم. متى يحدث هذا؟ لا أدري، ولكن يبدو أنه أقرب مما نتصور، وربما أقرب مما يتصورون هم.

في السابق كان "المستعمر" يحرك جيوشاً، لكي "يحتل" أرضاً، ويبدأ في استغلالها واستغلال ثرواتها (الاقتصادية).. اليوم، اختلف اﻷمر، فلم تعد الملكيات وطبقات النبلاء هي المسيطرة، بل الكيانات الاقتصادية العملاقة. وهذه لا تحتاج حقاً إلى "تحريك الجيوش"، يكفيها إبرام عقود احتكارية، لكي تبدأ في استغلال الثروات الموجودة، ونحن سنلهث خلفهم للتوقيع على هذه العقود، في مقابل عمولات مهولة (فساد).

هل فكرت ماذا سيحدث عندما ينفد ما لدينا من ثروات يريدون استغلالها؟

هناك فيديو جيد للدكتور مصطفى محمود، مقتطع من إحدى حلقات برنامجه (العلم واﻹيمان)، يصف فيه نظرتهم لنا حال حدوث هذا.. هو يتحدث بلسانهم ويقول: “سيبوهم يلعبوا .. شوية نسانيس على شجر".. بالتأكيد تعرف هذا الفيديو أو سمعت عنه قبلاً..

هي حقيقة، هم لا "يعادوننا" لمجرد أننا نحن.. بل هم لا يعادوننا على اﻹطلاق، هم فقط يستغلون ما لدينا، باستغلال غبائنا وتفانينا في الفساد، ويدافعون عن مصالحهم الاقتصادية..

هل فكرت مرة لم تعتبر إسرائيل نفسها منتصرة في حرب السادس من أكتوبر؟

هدف إسرائيل الرئيسي من احتلال سيناء كانت تكوين منطقة آمنة على حدودها الغربية، ولما كانت اتفاقية كامب ديفيد تحدد أعداد القوات المصرية في سيناء، وتنص على وجود قوات حماية ومراقبة دولية، وتلزم مصر بعدم  تحريك قواتها في سيناء إلا بعد التنسيق المباشر مع إسرائيل، فإن هدف احتلال سيناء من وجهة نظرهم قد تحقق، ودون أن تضع أي جندي إسرائيلي في سيناء. هذا عظيم جداً، وخصوصاً في ظل عدد السكان القليل جداً بالنسبة لجيرانها.

يذهب البعض إلى أبعد من هذا، ليقول إن من ضمن بنود معاهدة كامب ديفيد أن تحصل إسرائيل على نسبة معينة من أي ثروات طبيعية توجد في سيناء، كما أن لهم نسبة من المرجوع الاقتصادي الناتج عن السياحة في سيناء، ولكن هذه تكهنات، فبنود الاتفاقية غير معلنة حتى اﻵن..

بمناسبة البنود الغير المعلنة.. لماذا لم يعلن الدكتور محمد مرسي بنود هذه الاتفاقية إبان فترة حكمه؟ أليس النظام السابق له متؤامر ويعمل على تنفيذ المؤامرة الصهونية اﻷمريكية الماسونية ضد اﻹسلام؟

أم أنها كانت المؤامرة الماسونية اﻷمريكية اﻹسرائيلية اﻹيرانية الشيعية اﻹخوانية ضد مصر؟

المؤامرات كثيرة هنا، واﻷطراف تتشابك، وهذا يلزمه بعض المنطق.. ولكنك لن تجد المنطق في هذا المقال!

يتبع..